skip to Main Content

رجاء الأرملة

كانا اثنين فأصبحا واحدًا. عاشا معًا في كلّ الظّروف، رُزِقا أولادًا، استمرّا في روتين الحياة… وفجأة، زارهما الموت. خطف الزّوج، شريك الحياة ورفيق الدّرب.

“أصبحتُ وحدي”، كلمات قاسية وصعبة تردّدها الأرملة بِحَسرة. فالوِحدَة صعبة بعد أن يكون الإنسان قد اعتاد المشاركة والرّفقة. فُقدان الحبيب والزّوج (الصّالح) مرّ وقاس. لحظات عسيرة، تمرّ بعدها الأيّام بصعوبة.

فُراق جسديّ يرافقه فراغ نفسيّ وعاطفيّ قاسٍ بعد أن كانت حياتها مليئة بالحبّ. لم يعد هناك مَن تبادله الأحاديث والمشاعر. فالرّفيق اختفى، أمّا الذّكرى فما زالت حيّة. لكنّها ذكرى مُوجِعة حارِقة، خصوصًا في البداية. فهو لا يغيب لحظة عن بالها. تعود الذّكريات بغزارة، وبخاصّة حُلوها، وتنسى الذّكريات البشعة. تراه في كلّ مكان، فالعقل يرفض أن يعترف بالواقع الجديد. لا يريد أن ينسى، وكأنّه يستحضر الزّوج من خلال الأفكار. لكنّه يعود ليصطدم بالحقيقة. البيت فارغ وبارد من دونه. والأولاد، مع كلّ حلاوتهم، لا يملأون هذا الفراغ. ليس هناك مَن يشاركها الأحزان والأفراح، مَن يحمل عنها المسؤوليّة والهموم والأعباء… ضغط ماديّ، ضغط التّربية… الحِمل كبير. لكن، هل مَن يشعر به؟ لا يعرف مقدار صعوبة الظّرف إلاّ مَن عاشه.

نظرات النّاس مزعجة. بعضهم يُشفق، ولسان حاله يقول: “مسكينة”، وبعضهم الآخر يتعجّب ويقول: “قويّة وقديرة”، وغيرهم يراقب لينتقد كلّ تصرّف أونظرة أو هفوة. ترافقها الشّائعات المزعجة أينما ذهبت. بعض الرّجال يحاول استغلال فراغها العاطفيّ ظنًّا منهم أنّها فريسة سهلة. أمّا الأقارب فيبتعدون شيئًا فشيئًا حتّى لا يُلقى عليهم عبء العائلة وحِملها المادّيّ. كلّ هذا يزيد الجرح ألَمًا.

“هل انتهت حياتي هنا؟ كيف أستمرّ؟ هل هناك أمل أو رجاء؟”

لا تخافي ولا تيأسي. الحياة تتطلّب الجرأة. باستطاعتكِ تجاوز المحنة، فلا تستسلمي. قولي مع المرنّم: “الرّبّ نوري وخَلاصي، مِمّن أخاف؟ الرّبّ حِصنُ حَياتي، مِمّن أَرتَعِب؟ ليَتَشدّد وليَتَشَجّع قلبك، وانتَظِر الرّبّ” (27: 1، 14).

تقبّلي الواقع. فالواقع الجديد صعب، والعقل يحاول أن يرفضه. لكنّ الهروب لا يحلّ المشكلة، بل يؤجّلها. عليك أن تعوّدي نفسك على واقع حياتك من دون الزّوج. وهذا يعني أن تتحمّلي مسؤوليّاتك بجرأة. حتّى إذا اضطّرك الظّرف لتعملي وتُعيلي أولادك، فافعلي ذلك من دون تردّد. لا تنغمسي في شعور الشّفقة على نفسك، لأنّ هذا الشّعور فخّ مُدمِّر للنّفس.

اعلَمي أنّ هذه التّجربة مرّت على كثيرات قبلك ونَجون واستمرّين. الأمر ليس جديدًا تحت الشّمس، وكلّ إنسان يرى أنّ مصيبته هي الأكبر، والحياة مليئة بالصّعاب. أمّا الله فقد وعَدَنا أنّه “لا يَدَعكم تُجرَّبون أكثر ممّا تستطيعون، بل سيجعل أيضًا مع التّجربة المنفَذ لتَستَطيعوا أن تَحتَمِلوا.” وتذكّري، أنّ كلّ شيء يذلَّل مع الوقت.

تقرّبي من الّذين يحبّونك بحقّ. هؤلاء يُؤدّون دورًا مهمًّا في ملء فراغك النّفسيّ، وكذلك فراغ أولادك. اقبلي مساعدتهم في أيّ أمر صغير أو كبير، فهُم يفرحون بتقديم المساعدة ويشعرون بأنّهم مُفيدون لك، وأنت تتعزّين بوقوفهم قربك. حاولي ما أمكنك، أن تستعيني بأخيك أو أبيك ليكون مثل رمز أبويّ في البيت أمام أولادك، خصوصًا إذا كان أولادك صغار السّنّ، فهذه حاجة ملحّة للأولاد والصّبيان بشكل خاصّ.

خفّفي من حساسيّتك ولا تعلّقي أهميّة على كلّ صغيرة أو كبيرة. تصرّفي بثقة بنفسك وبحكمة. كوني واقعيّة في توقّعاتك من الآخرين ولا تنتظري الكثير. كوني شاكرة لما يقدّمونه لك.

تأكّدي من أنّ الله لديه اهتمام خاصّ بالأيتام والأرامل. فالرّبّ أبٌ مُحبّ وحنون. مكتوب عنه في المزمور 68: 5 بأنّه “أبو اليَتامى وقاضي الأرامل”، وفي إرميا 49: 11 “اتْرُك أيتامَكَ أنا أُحييِهم، وأرامِلُك علَيَّ لِيتَوَكّلن”.

آمني  بالله وبمواعيده. الله وعد بأنّه سيُعينك في تسديد كلّ احتياج، فهو “يَعضُد اليَتيم والأرمَلَة” (مزمور 146: 9). وهو يقف عنك في وجه الظّلم “الرّبّ يَقلَع بيت المتكبِّرين، ويُوطِّد تُخم الأرملة” (أمثال 15: 25). الله شخصيًّا يحامي عن الأرملة واليتيم.

خذي المسيح صديقًا شخصيًّا لك. قد يبدو هذا الكلام نظريًّا وغير عمليّ. لكن كلّ مَن اختبر هذا الصّديق، يستطيع أن يشهد على صحّة هذا الكلام. فهو “المُحِبّ الألزَق من الأخ”، وهو الصّديق الأوفى الّذي كُتِب عنه “لا يَنعَس ولا ينام حافِظُك”. هناك مواعيد كثيرة في الكتاب المقدّس سوف تجدين فيها التّعزية الحقيقيّة لنفسك.

اعملي بنصيحة الرّسول بولس، إذ لديه وصيّة خاصّة للأرامل. فهو ينصح الأرامل الصّغيرات السّنّ “الحدَثات”، بالزّواج. أمّا “الكبيرات” السّنّ، فبعدمه إذا أمكن (على الرّغم من أنّ هذا ليس بخطيّة إن فَعلنَ). ينصحهنّ بأن يعمَلنَ في خدمة المسيح والكنيسة، لأنّ العمل المفيد والبنّاء يعطي حافزًا ودافعًا مهمًّا للحياة. أمّا في حال اخترتِ الزّواج،  فيجب أن تدرسي الأمر بعناية فائقة إذا كان لديك أولاد، وخصوصًا إذا كان لديكِ بنات.

أمّا لبقيّة القرّاء، فلنعلم أنّ الدّيانة الطّاهرة النّقيّة عند الله هي: “افتِقاد اليَتامى والأرامل في ضيقَتِهم، وحِفظ الإنسان نَفسَه بِلا دَنَس من العالم” (يعقوب 1: 27). لا نكن كالفرّيسيّين الّذين وبّخهم الرّب قائلاً: “وَيلٌ لكُم أيّها الكَتَبة والفرّيسيّون المراؤون! لأنّكم تأكُلون بُيوت الأرامل… لذلك تَأخُذون دَينونَة أعظم” (متّى 23: 14). وصيّة الرّبّ لنا هي: “تَعلّموا فعل الخير. اطلُبوا الحقّ. انْصِفوا المظلوم. اقْضوا لليَتيم. حاموا عن الأرملة” (إشعيا 1: 17).

رسالة الكلمة – العدد 12 (www.risalatalkalima.com)

ندى طرابلسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top
×Close search
Search